هذا الأمر تعلمه أرامكو السعودية علم اليقين، فهو حاضر على امتداد تاريخها في ظل فلسفة تشجع ثقافة الابتكار، التي تُفرز قيمة ملموسة وتتعاطى مع التحديات التي تواجهها الشركة. وقد مكنت هذه الثقافة الشركة من تبوء مكانة عالمية يُشار لها بالبنان على صعيد الابتكار، وليس أدل على ذلك من تفوقها في قطاع النفط والغاز لعام 2019م بعدد براءات الاختراع التي حصلت عليها.

وفي هذا الصدد، قال النائب الأعلى للرئيس للخدمات الفنية، الأستاذ أحمد السعدي: "يدفع الابتكار عجلة التنمية، التي تمكننا من الاستفادة من التحديات التي تواجهنا، وتحويلها إلى فرص لبلوغ آفاق جديدة في مجال الكفاءة التشغيلية والإنتاجية والاستدامة، والمحافظة على صدارة أرامكو السعودية في مضمار المنافسة".

وفي إطار الالتزام بالإسهام في تحقيق الابتكار، تبلورت لدى السعدي رؤية تتمثل في إيجاد مركز أفكار عالمي الطراز، يجمع الموظفين وأفراد المجتمع في بيئة تعاونية وإبداعية، ويعمم ثقافة الابتكار خارج أسوار الشركة. ولتحقيق هذه الرؤية على أرض الواقع، يجري العمل على إنشاء مركز الابتكارات المتقدمة (LAB7)، الذي يُعدُّ بيئة حاضنة ومحفزة لتحويل الأفكار إلى منتجات تجارية تساند أهدف الشركة الإستراتيجية والمجتمعية.

ويقع المركز بالقرب من بئر الدمام رقم 7، وهي أول بئر يُكتشف فيها النفط بكميات تجارية في المملكة. ويرمز اختيار هذا الموقع للاعتزاز بهذه البئر، التي أُطلق عليها اسم "بئر الخير"، ويبشِّر بعصر جديد من الازدهار القائم على الأفكار.

وصُمم مركز الابتكار، الذي تبلغ مساحته 5500 متر مربع، مع حديقة الابتكار الخضراء المحيطة به، التي تبلغ مساحتها 60 ألف متر مربع، ليكون منارة للابتكار باستخدام التقنيات الحديثة والمتطورة، التي توظف الابتكار بوضوح في كل جانب من جوانب تصميمه وإنشائه وعمله.

وسيشتمل المبنى على ثلاثة أقسام رئيسة، هي معرض الهندسة، وجناحان متماثلان للتصنيع. ويضم قسم الهندسة معرضًا ومنطقة عامة مجهزة تجهيزًا كاملًا بتقنيات مرئية ومسموعة ونوافذ ذكية ومساحات تشاركية لتشجيع الإبداع وتوفير منطقة للعرض.

وفي المقابل، سيُستخدم الجناحان كمنطقتي تصنيع، حيث يضمَّان 14 ورشة عمل منفصلة مجهزة تجهيزًا تامًا بأحدث المعدات والوسائل الضرورية لإعداد النماذج الأولية، بما يكفل مساندة قدرات تطوير المنتجات المتنوعة.

ومن خلال رعاية الأفكار الابتكارية، واستضافة المعارض، وتوفير مساحات كبيرة للتصنيع وإعداد النماذج الأولية، سيتمكن المركز من إتاحة الفرص للمبتكرين والمطورين ورواد الأعمال السعوديين، لتمكينهم من تذليل العقبات والصعوبات التي تواجههم على أرض الواقع.

تقنيات الإنشاء

وفي شهر يناير لعام 2020م، انطلقت أعمال إنشاء المركز بوصفه مشروعًا متكاملًا تحت إشراف الخدمات الهندسية، واستفاد المرفق منذ مراحل الإنشاء الأولية من أساليب الإنشاء الفريدة، التي تحسن كفاءة أعمال الإنشاء مع مراعاة المتانة والسلامة في الوقت نفسه.

ويمثِّل الهيكل الفولاذي للمبنى من شركة (كونكستك) نظام إنشاء متألِّفًا من وحدات هيكلية فولاذية مستقلة مصنعة مسبقًا، تجمع بين تقنيات التصنيع المتقدمة ونمذجة معلومات البناء، لتشييد المباني متعددة الأدوار بسرعة أكبر، ودرجة أعلى من الأمان، وكمية أقل من المخلفات.

كما تُستخدم في هذا المرفق مواد لامعدنية مستدامة ومقتصدة التكلفة، وذلك في عديد من نواحي هيكله، مثل الواجهة والسياج المحيط. المواد اللامعدنية توفر هيكلًا خفيف الوزن ومقاومًا للتآكل، يُركب بسهولة ويحد من احتياجات التنظيف والصيانة بشكل فاعل.

وبالمثل، أُخذ أيضًا بعين الاعتبار استخدام بدائل من المواد المُعاد تدويرها في إنشاء طرق المرفق، بما في ذلك استخدام المطاط المعاد تدويره من الإطارات القديمة في ممرات إسفلتية معزَّزة المتانة. وعلى نفس المنوال، يعتمد إنشاء الممرات على مواد بلاستيكية من وحدات مستقلة مسبقة الصنع ومجوفة من الداخل، تسمح بالتركيب والتمديد السريع للمنافع والأنابيب والكابلات بأقل قدر من الحاجة إلى أعمال الحفر، أو دون الحاجة إليها أصلًا.

تقنيات المركز

وسيلاحظ المبتكرون والزوار حال دخولهم إلى مركز الابتكارات المتقدمة الترحيب بهم عبر وسائل دخول آمنة وسهلة، تمكنهم من التجول بيسر في مختلف مساحات المرفق عبر نظام إدارة ذكي لتصاريح الدخول، حيث يرتبط هذا النظام مع نظام إدارة المبنى، للارتقاء بتجربة المستخدم من خلال الحد من عوائق الدخول المادية، مع المحافظة في الوقت نفسه على أعلى درجات الأمن داخل المبنى. ونظام الإدارة الذكي، الذي صُمم في الشركة، يمكن أن يكون نموذجًا يحتذيه المبتكرون في مركز الابتكارات المتقدمة، لأنه مثال حي على القيمة المضافة الملموسة التي حققتها العقول المبدعة في الشركة.

ويشتمل نظام إدارة المبنى أيضًا على تقنية الإنارة عبر كابلات شبكة الإيثرنت، حيث تُستخدم كابلات هذه الشبكة لنقل البيانات والكهرباء من وسائل الإنارة وإليها، الأمر الذي يسمح بدرجة عالية من التحكم بالإنارة في مختلف أرجاء المرفق.

وسيتمكن المبتكرون في مركز الابتكارات المتقدمة من الاستفادة من أحدث المعدات والأدوات، التي تُمدُّهم بإمكانيات واسعة النطاق لتطوير المنتجات والتصنيع، بدءًا من الطباعة ثلاثية الأبعاد، ومرورًا بالتشكيل الحراري الفراغي، ووصولًا إلى طباعة لوحات الدارات الإلكترونية.

وتكمن إحدى الأمثلة في القدرة على إعداد نماذج أولية لقطع معدنية ثلاثية الأبعاد ذات شكل فريد، من خلال الاستفادة من تقنية الطباعة المعدنية ثلاثية الأبعاد، التي تستخدم الرواسب المعدنية المصهورة بما يسمح بالإعداد السريع لمثل هذه النماذج بدرجة عالية من الجودة. وهناك مثال آخر، يتعلق بالقدرة على التحويل السهل والسريع لتصاميم الإلكترونيات إلى لوحات دارات إلكترونية مطبوعة بمهارة ودقة عالية، عبر استخدام طابعة مواد متعددة دقيقة ثلاثية الأبعاد للإلكترونيات.

تقنيات حديقة الابتكار الخضراء

ومثلما تتفاعل الطبيعة مع محيطها، فإن حديقة الابتكار الخضراء تستخدم الذكاء الاصطناعي وتعليم الآلات للتفاعل مع الزوار عن طريق نصب جبلي معماري يندمج في المساحات الصخرية المحيطة. وتضمُّ حديقة الابتكار الخضراء، التي تجمع بين التقنيات المستدامة والمساحات الطبيعية والهندسة المعمارية بتناغم، تقنيات صديقة للبيئة تقدِّر الطبيعة على الصعيدين المادي والعملي، وتسخِّر أدق إمكانيات الطاقة المتجددة، إذ تنتشر في أرجاء الحديقة أشجار صناعية عديدة، مثل أشجار توربينات الرياح، التي تحاكي الطبيعة في الاستفادة من حركة الهواء عبر الأوراق، باستخدام توربينات رياح صغيرة مخروطية تشبه الأوراق، لتولِّد الكهرباء من أقل نسمة هواء.

وعلى غرار ذلك، تستخدم أشجار استخلاص الكربون الطحالب العضوية لمحاكاة قدرة الأشجار على تحسين جودة الهواء، والحد من التلوث بالاعتماد على التقنيات الحيوية المتطورة لتحقيق ذلك بمعدل كبير.

ومن خلال استخدامه للتقنيات الحديثة والحلول المبتكرة والتصاميم المستدامة في جميع جوانبه، يقف مركز الابتكارات المتقدمة كصرح بارز يشجع على الإبداع، ويجسد المعنى الحقيقي للابتكار قلبًا وقالبًا. وانطلاقًا من مبدأ القدوة الحسنة، تُنشئ الخدمات الفنية بيئة محفزة قائمة بأكملها على قيم القدرة البشرية والابتكار، وتسعى لتعميم تجربتها في هذا المضمار في مختلف إدارات الشركة وأقسامها وخارج أسوار الشركة أيضًا.